روائع مختارة | بنك الاستشارات | استشارات نفسية | أكره.. عملي!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > بنك الاستشارات > استشارات نفسية > أكره.. عملي!


  أكره.. عملي!
     عدد مرات المشاهدة: 3385        عدد مرات الإرسال: 0

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا تعيس جدًّا من عملي كصيدلاني، ولدي عقدة في أن أكون طبيبًا. وعندما توفيت والدتي، كان لدي من العمر 12 عامًا، وأنا متفوق في الدراسة والحمد لله، وقد حصلت على مجموع يؤهلني لدخول كلية الطب، لكنني استشرت أبي قبل التقدم للجامعة (وأعتقد أني أجرمت في حق نفسي)؛ فلم يكن والدي من النوع الذي يُستشار؛ فقال لي أدخل الصيدلة. ولم أكن أريدها. فدخلتها، وتخرجت من الأوائل، وحصلت على الماجستير ولكني أكرهها بكل ما في الكلمة من معنى؛ حتى أني لا أحب الذهاب إلى العمل؛ وأتغيب.

وفي هذه الأيام؛ خطرت ببالي فكرة، وسيطرت عليّ؛ وهي دراسة الطب من جديد، وأنا عمري الآن 28 عامًا، ولدي طفلين وزوجة؛ فهل هذا القرار صائب؟!.

علمًا بأنني سأترك وظيفتي؛ رغم شح الوظائف في هذه الأيام، إلا أني أكره الوظيفة، والصيادلة عمومًا؛ لأن ميولهم مادية؛ وأنا منذ كنت صغيرًا؛ كنت محبًا للعلم، راغبًا أن أكون في مجالٍ أبدع فيه، وكان حلمي أن ألتحق بكلية الطب.. فبم تشير عليّ؟

الجواب:

أخانا الحبيب:

السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:

اتفق معك تمامًا في أن دراسة الإنسان للعلم الذي يحب ستعينه على النجاح والتفوق، وستكون سببًا في إبداعه وابتكاره للجديد والمفيد للبشرية جمعاء، كما أن دراسة الإنسان للعلم الذي لا يحبه، والتحاقه بالكلية التي لا يريدها، سيقف عائقًا في طريق تفوقه ونجاحه في حياته، غير أنني أعتب عليك لقبولك الالتحاق بكلية الصيدلة، وصمتك الطويل على مدى خمس سنوات هي عمر مرحلة البكالوريوس، ثم تماديك في الصمت طوال فترة دراسة الماجستير وهي في أدنى مراحلها عامان، ثم صمتك المطبق حتى تسلمت وظيفة في مجال تخصصك في إحدى شركات الأدوية؛ فلماذا كان صمتك طوال هذا العقد الذي مر من عمرك؟!

هل أجبرك أحد على دراسة الصيدلة بالجامعة؟!، هل اضطرك ظرف قاسٍ على مواصلة الدراسة في كلية لا تريدها، وفي علم تكرهه، وما الذي منعك من دراسة الطب الذي طالما تمنيت أن تدرسه، لتتخرج طبيبًا؟!، لا أعتقد أن مجرد مشورة والدك الذي وصفته بأنه ليس (من النوع الذي يُستشار) هي السبب، فماذا كان السبب إذن؟!، الأمر حقًا يحتاج للتوضيح؛ هل واقعًا تحت ضغط ما من جهة معينة شلت تفكيرك، وقادتك رغمًا عنك إلى الالتحاق بدراسة الصيدلة والعمل في مكان لا تحب الذهاب إليه حسب قولك؟، لا أجد ردًا سوى ما رددت به أنت على نفسك بقولك: (أعتقد أني أجرمت في حق نفسي).

وحتى أكون أمينًا في مشورتي؛ تطبيقًا لهدي حبيبي وسيدي محمد صلى الله عليه وسلم؛ والذي تعلمنا منه أن المستشار مؤتمن فيما يشير به، فإنني لن أقترح عليك خيارًا بعينه، ولكنني سأسلط لك مزيدًا من الضوء على كلا الخيارين؛ على أن أترك لك حرية اختيار النموذج الذي تجده مناسبًا لك، على النحو التالي:

الخيار الأول: الاستمرار في عملك والرضا بقضاء الله: وما يدفعني لطرح هذا الخيار هو:

1- أنك بالفعل التحقت بكلية الصيدلة، و(تخرجت من الأوائل)، و(حصلت على الماجستير)، والتحقت بوظيفة في مجال تخصصك في الصيدلة، وهو ما يفيد بأنك متفوق في مجال تخصصك، إذ لو كنت ما زلت في الدراسة، أو كنت متعثرًا فيها، أو كنت تخرجت بتقدير سيئ، أو كنت لم تجد فرصة عمل في مجال تخصصك، لكان مبررك مقبول ومعقول ويمكن تفهمه.

2- أنه قد مضى من عمرك عقد كامل (عشر سنوات) قضيتها منهمكًا في دراسة الصيدلة، متنقلا بين المكتبات للبحث والدراسة في علم الأدوية والعقاقير والنباتات الطبية، ودراسة الكيمياء التحليلية، وأنت الآن على أعتاب نهاية العقد الثالث من عمرك، فهل تعتقد أنه من السهل العودة للمربع رقم (1)، من جديد؟، والالتحاق بكلية الطب (لأن كان نظام التعليم الجامعي في بلدكم يسمح بهذا).

3- أن الله قد أكرمك بالحصول على فرصة عمل جيدة؛ ووظيفة محترمة، قد تكون غير سعيد فيها، لكنها بلا شك فرصة قد لا تحصل عليها مرة أخرى إن تركتها؛ خاصة وأنك تقول (علمًا بأنني سأترك وظيفتي؛ رغم شح الوظائف في هذه الأيام)، فهل تعتقد أنه من السهل عليك أن تترك وظيفتك، وأن تفرط في فرصة العمل التي أكرمك الله بها، في هذه الأيام التي أصبحت البطالة فيها الغول الأكبر الذي يهدد الحكومات العربية، ويسحق غالبية الشباب في كل الدول العربية بلا استثناء؟!.

4- أنك لست مسئولا عن نفسك وحسب؛ بل إن الله قد رزقك بأسرة؛ أنت مسئول عن الإنفاق عليها، وأن هذه الأسرة تتكون من طفلين صغيرين وزوجة، تجب عليك من الناحية الشرعية والقانونية الإنفاق عليها، وتوفير احتياجاتها، في زمن ارتفعت فيه الأسعار، حتى أكلت الأخضر واليابس، ولم يعد الناس مهما كانت دخولهم أن يحصلوا على جميع ما يحتاجونه، بعدما تضاعفت أسعار السلع والخدمات، وعجزت الدول والحكومات عن وقف نزيف الغلاء، الذي طحن الشعوب طحنًا، فهل بوسعك أن تنفق على نفسك وأهلك وأطفالك فغي الوقت الذي تدرس فيه في كلية عملية مثل كلية الطب، يحتاج الطالب الدارس فيها إلى ميزانية شهرية ليست قليلة للوفاء بمتطلباتها من أدوات وأجهزة وكتب ومراجع علمية ومصاريف نثرية وتكلفة كورسات ودروس خاصة لفهم ما يعجز عن فهمه بسبب تكدس الطلاب وقلة الإمكانات وتهالك الأجهزة والأدوات في معظم جامعاتنا العربية؟!!

5- أن مجال الإبداع الذي تبحث عنه موجود أمامك؛ لو دققت النظر، فلا شك أن أمتنا العربية تعاني ضمن ما تعاني منه، من نقص شديد في أدوية بعض الأمراض المزمنة، وهو ما يضطرها إلى استيرادها بالعملة الصعبة (الدولار/ اليورو) من أمريكا أو أوروبا، بينما لا يستبعد خبراء قيام شركات الدواء العالمية المتخصصة في الصناعات الدوائية أن يدس لنا أعداؤنا السم في العسل، فمن يدفع عن أمتنا في هذا الباب؟!، ومن يقف على هذا الثغر؟!، أليس في أمتنا صيدلاني رشيد؟!، ينبهنا إلى الدواء المفيد، ويحذرنا من السم المدسوس في العسل، ويبدع ويبتكر لنا أدوية تناسبنا، أكثر فاعلية وأقل تكلفة، فيرحمنا من الاستغلال، ويجلب لنا النافع المفيد، ويصرف عنا الضار العتيد؟!، لم لا تكون أنت منهم، بل وفي المقدمة منهم، طالما أنك تقول (أنا منذ كنت صغيرًا؛ كنت محبًا للعلم، راغبًا أن أكون في مجالٍ أبدع فيه)!.

الخيار الثاني: ترك الصيدلة جملة وتفصيلا؛ وهو أمر يستلزم:

1- ترك الوظيفة التي تعمل بها والتي قد لا تحصل عليها مرة أخرى لو تركتها.

2- البدء من نقطة الصفر من جديد، فتعود طالبًا بعدما صرت موظفًا.

3- أن يكون نظام التعليم الجامعي ببلدكم يسمح بهذا من الأساس.

4- البحث عن فرصة عمل بديلة تنفق منها على أهلك وأطفالك ودراستك.

5- إضاعة ثلث عمرك (عشر سنوات)، بلا فائدة ولا طائل.

6- توفير الوقت لدراسة المقررات النظرية والعملية وحضور المحاضرات والسكاشن.

وقبل الختام؛ أترك لك تقدير الأمر؛ والنظر في صوابية القرار من عدمه، واختيار ما يناسبك من الخيارين.

الكاتب: همام عبدالمعبود.

المصدر: موقع المسلم.